سواء كنا ندرك أم لا، تلعب الألوان دورا أساسيا في حياتنا، وتؤثر على حالة الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية.
وفي يومنا هذا ورغم مرور أكثر من 150 عاما على بدء دراسة تأثير اللون على الإنسان، ولاسيما تأثيره العلاجي، بصورة علمية، لايزال هذا الموضوع في طور الاستكشاف البطيء على الصعيد الدولي، ويكاد يكون مجهولا تماما في العالم العربي، اللهم إلا باستثناء بعض المختصين في العلاج المكمل، وهم قلة يعدون على الأصابع.
وبغية نشر أهمية الألوان واستخدامها كعلاج مكمل، نشأت في الآونة الأخيرة العديد من المؤسسات ومراكز البحث والتدريب والعلاج المتخصصة في دول غربية على الخصوص، رغم أن العلاج بالألوان كان معروفا من عصور سحيقة لدى الحضارات القديمة لاسيما في الشرق الأقصى(الهند والصين) والشرق الأوسط ( بلاد الرافدين ومصر الفراعنة ويونان الإغريق).
ومن أهم تلك المؤسسات غير الحكومية المختصة في العلاج باللون في بريطانيا "مؤسسة التدريب على العلاج بالألوان"، ورابطة العلاج بالألوان" و"الألوان الدولية" وهي جميعا هيئات أسستها "جون ماك ليود" إحدى أبرز الخبراء في العلاج في بريطانيا والعالم.
الغرب والعلاج بالألوان
بدأ الاهتمام بالتداوي باللون (ويسمى أحيانا Chromo therapy ) في أوروبا والولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن الـ19، وإن كان العرب المسلمون قد اهتموا بآثار الألوان العلاجية قبل الغرب بقرون، فقد جاء في كتاب "القانون" للعلامة العربي "ابن سينا" إشارة إلى تأثير الألوان الرئيسية على الفرد فوجد أن الأحمر على سبيل المثال يثير الدم بينما الأزرق يهدئه.
أما أول كتاب غربي وضع حول استخدام الضوء لأغراض علاجية فكان بعنوان "الضوء الأحمر والأزرق, أو الضوء وأشعته كدواء" لمؤلفه الدكتور "س. بانكوست" ونشر عام 1877.وقد ركز بحث الكتاب على تأثير الأِشعة الحمراء المنبهة والزرقاء المسكنة على جسم الإنسان.
وفي عام 1887 نشر الدكتور "إيدوين بابيت" كتابه البحثي الهام بعنوان "مبادئ الضوء واللون" أوصى فيه باتباع عدة تقنيات وأساليب لاستخدام اللون بغرض العلاج.
غير أن العالم كان عليه الانتظار حتى عام 1933 ليتعرف على المبادئ العلمية التي تفسر السبب والكيفية التي يستطيع بها لون ضوئي معين أن يؤثر بشكل علاجي على الكائن الحي وذلك مع نشر العالم الهندوسي "دينشاه غاديالي" كتابه الهام في هذا الاختصاص: "موسوعة قياس ألوان الطيف".
الذبذبة أصل الداء
كثير من المعالجين باللون يعتقدون أنه حسب الطب الهندي القديم فإن للجسم البشري جسما آخر هاليّاً شفافا لا تراه العين البشرية ملونا يحيط به ويتخلله..يدعى الهالة.
وحسب الاعتقادات الطبية الهندوسية القديمة، فمن وظائف تلك الهالة امتصاص الضوء الشمسي الأبيض من المحيط وتركيزه في سبع مراكز للطاقة تدعى كل منها "تشاكرا" تقوم بدورها بتوزيع الطاقة الضوئية بألوان الطيف الأساسية على أجزاء الجسم.
سألنا الخبيرة "جون ماك ليود"، التي أمضت أكثر من 28 عاما في مجال العلاج بالألوان وتدريسه في بريطانيا وخارجها لاسيما الولايات المتحدة، عن مراكز "التشاكرا" وعلاقتها بالعلاج بالألوان، فأوضحت أنها "بمثابة مراكز لتجميع الألوان من طيف الضوء الأبيض الطبيعي( نور الشمس) الذي ينتثر عبر جسم الإنسان تماما كما ينتثر عند مروره من موشور زجاجي".
وتقول "ماك ليود" إن مراكز التشاكرا تلك "تعمل عمل الموزع لقنوات الطاقة في البطارية( الجسم) وطالما كان توزيعها وسريانها، عبر قنوات خاصة ( تماثل تقريبا الخطوط التي تصل نقاط الوخز بالإبر الصينية) متناغما، طالما بقي الجسم معافى". لكن إن اختل امتصاص وتوزيع هذه الطاقة الذبذبية نتيجة نقص لون معين أو أكثر اضطرب الجسم ومرض.
ويمكن مشاهدة هذه الهالة والتي تسمى أحيانا "طاقة الحياة" عبر تقنية من التصوير تسمى "التصوير الكليرلياني" (نسبة إلى مخترعيها الروسيين في الثلاثينيات من القرن الماضي "سيميون" و"فالنتينا كليريان").
وفي هذا السياق أذكر زيارة فضولية قمت بها لعيادة تشخص وتعالج المرض عن طريق تصوير ألوان هالة الجسم بتقنية جهاز كليرليان أثناء زيارة أحد الأصدقاء الأطباء في العاصمة الأوكرانية كييف عام 2000، وبعد التصوير قامت الطبيبة بشرح مبسط لدلالات ألوان هالتي والتي بدت متسقة باستثناء ما يشبه الذؤابة الكبيرة فوق الرأس ورقـّة في عرض الهالة عند إحدى القدمين، فقالت ما مفاده أنني "أعاني من نقص في التروية في تلك القدم"( قبل وصولنا العيادة كنا قد مشينا نحو ساعتين دون توقف أنا وصديقي) وبالطبع نظر صديقي الطبيب الذي كان يترجم ما يقال إليّ بسخرية دون أن يأخذ أيا مما قالته المعالِجة على محمل الجـِدّ.
الطب التقليدي والعلاج اللوني
لكن هل يعترف الطب التقليدي بنجاعة العلاج بالألوان؟
عموما لا يعترف الطب التقليدي تماما بالعلاج بالألوان وإن كان بعض الأطباء يقرون بتأثير الألوان العلاجي لعلاج حالات مرضية نفسية فقط.
كما يشعر معظم الأطباء بالشك الكبير حيال ما يقال عن الهالات والتشاكرا والطاقة الذبذبية وعلاقة ذلك بالجسم وأعضائه.
الطبيب "ماهر سلايمة" الأخصائي في التوليد وأمراض النساء في مستشفى مدينة "إلسينيور" في جنوبي السويد يقول "إنه لا يعرف قدرا وافيا عن العلاج بالألوان"، لكنه يقر بأنه "يمكن أن يكون مؤثرا في علاج بعض حالات الاكتئاب على سبيل المثال".
أما الدكتور "عامر" الإخصائي في الطب النفسي والعامل في أحد مستشفيات سويسرا قرب عاصمتها بيرن، فيقول:" لم أسمع كطبيب عام بشيء يقول إن تطبيق لون معين كالأزرق أو الأحمر أو الأصفر أو غيرها يمكم أن يكون له تأثير علاجي على الإنسان، لكن ما أعرفه كطبيب نفسي أن هناك علاجا بالضوء الطبيعي لأمراض مختلفة مثل الاكتئاب، وحتى بعض الأمراض العضوية مثل داء الصدف، وأمراض جلدية أخرى، كما هناك أمر شبيه ربما هو استخدام الرسم كعلاج نفسي، وحسب علمي فإن العلاج بالألوان محصور لدينا كأطباء نفسيين في مرحلة التشخيص حيث يمكن الاستدلال من لون ألوان الثياب الباهتة أو القاتمة على الحالة المرضية النفسية للشخص مثلا."
غير أن الطبيب "بسام عودة" الإخصائي في أمراض الدم في أحد مستشفيات مدينة "بيرمنغهام" البريطانية يقول:" لا أعرف شيئا عن العلاج بالألوان، ولا أعتقد أن للألوان أي تأثير علاجي عضوي على الإنسان، لكن ربما يكون للألوان تأثير نفسي مثل تأثير الموسيقى مثلا أو التأمل، لا غير."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق